الثلاثاء، يوليو 13، 2010

فرعون علي الوردي.. يتحدث



• كان الدكتور علي الوردي يقول عن الملك فيصل الأول انه كان بدوياً ولكنه كان ذكياً لإعتماده على مستشارين أكفّاء بنوا له الدولة العراقية.
• في مرات كثيرة سألني الدكتور علي الوردي: كيف يمكن أن يحصل على مادة السيانيد.. وكان يريد أن يتناولها ليغادر الحياة.
• لم يظهر اي أثر لمذكرات الوردي وكتاب آخر له عن الشخصية البشرية.
• لو فقهت الأحزاب الوطنية العراقية طروحات الوردي لكنا الآن بألف خير.

حاوره: سعد الشديدي

في مثل هذا اليوم 13 تموز/يوليو يكون قد مرّ عقد ونصف على رحيل عالم الإجتماع العراقي الدكتور علي الوردي، الذي خلّف لنا ولأجيال مقبلة من العراقيين تراثاً كبيراً ومدرسة اسلوبية متميزة في حقل الدراسات الإجتماعية. رحل الوردي وكان له أن يُنسى كغيره ممن سبقوه من العلماء والباحثين الأكاديميين العراقيين لولا أنه ترك لنا ميراثاً يثير الكثير من الالتباس لدى الباحث والقارئ على حدّ سواء، لامتيازه برصانة أكاديمية لم يبزّه فيها أحد، فضلا عن أنه مثير للكثير من الجدل.
ولكن هل هذا كلّ ما في الأمر؟ هل حاز الورديّ على شهرة فردت جناحيها في الآفاق لأنه جاء بجديد حرّك به مياهاً راكدة ومنحها دفقاً منعشاً دفعها، ولو لسنواتٍ معدودة، الى أمام أم لأنه كان صاحب مشروع اصلاحي لبس عباءة الأكاديميين الوقور؟
مؤلفاته التي تجد مكانها على رفوف الكتب في بيوت العراقيين تنبئ عن رجل احترف التمرّد واراد أن يؤسس لمجتمع آخر. وهذا ما يقوله أيضاً الصحفي والكاتب العراقي سلام الشماع الذي كان ملازماً سنوات عديدة للدكتور علي الوردي وكتب عنه الكثير في حياته وبعد رحيله. ويبدو أن ثمّة مشتركات جمعت بين الاثنين كان التمرد من بينها إن لم يكن أبرزها.
ويقال أن الدكتور علي الوردي أطلق على سلام الشماع لقب "فرعون علي الوردي". فلماذا استمر فرعون بجدّ ودأب وبالكثير من الوفاء في بنيان صرح الوردي حتى بعد رحيله؟
الشماع تحدث عما لم يُصرّح به قبلاً عن علاقته بالعلامة الوردي في لقاء ساخن كان يمكن أن يطول أكثر لولا أن الشماع امتنع عن الإجابة عن كثير من الأسئلة خشية أن يفسد على القراء متعة مطالعة محتويات ثلاثة كتب جديدة ألفها عن الوردي ستصدر بعد أيام متزامنة مع الذكرى الخامسة عشر لرحيل الوردي، وهو يهيء الآن إلى تأليف كتاب جديد عنه يقول أنه سيكون "صاروخا" ثقافيا يشغل جميع الأوساط بأصدائه؟

سألته: خمسة عشر عاماً مرّت على رحيل عالم الإجتماع الكبير الدكتور علي الوردي. كنت خلالها احد أهمّ الذين حرصوا على نشر تراثه في مجموعة من الكتب والدراسات المقالات آخرها هو كتاب مجالس الدكتور علي الوردي الذي سيصدر قريباً. ما طبيعة علاقتك بالدكتور الوردي في حياته؟ هل كنت صديقاً له أم مريداً أم ابناً روحياً ؟

ـ كان رحمه الله أباً روحيا لي أكثر من كونه صديقاً وأكثر من كوني أحد مريديه، كنت شديد الاعجاب بآرائه التي تحرض الفكر وتكفر بالسائد من القيم والتقاليد، وما كنت سأعجب بذلك لو لم أخلق متمرداً مثله.. إن نزوعي للتجديد هو الذي حرضني على ملازمة الوردي..
* يبدو أن الدكتور الوردي تركَ فيك أثراً، أو آثاراً، لم توّفق السنوات الخمسة عشر الماضية بمحوها، فما زلت من أكبر "المبشرين" بمدرسة الراحل الكبير. ونشاطك المتوزع بين الكتابة عنه وجمع صوره النادرة مروراً بإلقاء المحاضرات وتأليف الكتب وكتابة المقالات وصولاً الى المشاركة بكتابة مسلسل تلفزيوني عن حياة عالم الاجتماع العراقي الكبير يقول إنك حقاً فرعون علي الوردي. فما هي حكاية هذا اللقب الذي أطلقه عليك الدكتور الوردي نفسه؟
ـ كان الوردي الراحل يسرني بانتقاداته لمن حوله ويحلل شخصيات المجالس البغدادية وتصرفاتهم أمامي، بل ويخصني بآرائه التي لا يرغب بالبوح بها لأحد، وقد لاحظ رواد المجالس البغدادية ذلك ولاحظوا أيضاً أنه يجلسني إلى جانبه في أي مكان نجتمع فيه، ويميل إلى أن يهمس بأذني بكل شيء يعن له، فصاروا إذا أرادوا طلب شيء منه وتوقعوا أنه سيرفض طلبهم يلجأون إلي لأجعله يوافق بعد أن أقنعه فكان يعلن أمامهم قولته: (لكل نبي فرعون وفرعوني سلام الشماع).. وذهبت قولته هذه كالمثل بين رواد المجالس.
* هل يؤمن سلام الشمّاع بأفكار الوردي؟ أقصد هل تفعل كل هذا لأن علي الوردي فقط ابن مدينتك – الكاظمية – وأنك تضمر له الكثير من الاحترام والتبجيل على هذا الأساس أم انك من المؤمنين بمشروع الوردي؟ وبالمناسبة هل كان مشروع الوردي أكاديمياً بحتاً أم أنه كان يرى أن أفكاره يمكن أن تصبح يوماً ما إطاراً لمشروع إصلاحي مجتمعي؟
ـ التقيت الوردي وعمري لا يتجاوز الخامسة عشر في كتابه وعاظ السلاطين ثم في كتبه الأخرى وخصوصاً موسوعته (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)، وقد ملت إلى الأجزاء الاخيرة منها ولم أتواصل مع أجزائها الأولى، ثم عملت في الصحافة وعمري سبعة عشر عاماً وأنا مشبع بأفكار الوردي من دون أن التقيه وجها لوجه وحدث أن جاء لزيارة المجلة التي أعمل فيها.. ولكن علاقتي بالوردي لم تبدأ في ذلك الوقت وانما تحدثنا حديثا قصيرا جدا، ولكن خلال لقاءاتي بالفنان الراحل خليل الورد في العام 1975 وما بعده كان يحدثني عن الوردي كثيرا وقد عرفني على العلامة الراحل الدكتور حسين علي محفوظ وكنت اصحب محفوظاً الى الكاظمية لنحط رحالنا في محل صياغة يعود للسيد صفاء الوردي وهناك امكنني ان اتعرف على الوردي في الثمانينات من القرن الماضي ولازمته إلى آخر يوم في حياته، لذلك تستطيع أن تقول أن علاقتي بالوردي نشأت بسبب اعجابي بأفكاره الذي قادني إلى الايمان بها. إن الوردي لم يكن سياسيا ولكنه مؤدب السياسيين ولولا ذلك لكان صالحا أن ينشيء حزبا خاصا بأفكاره ولآمن به كثيرون، خصوصا وأنه كان مخلصاً لهذه الأفكار وكان صادقا مع نفسه، ومازالت أفكار الوردي تجد صداها في عراق اليوم الذي يسمونه جديداً مع أنه (أعتق من اليخني) كما يقول العراقيون لأن ما نشهده اليوم شهده العراقيون قبلنا في العام 656 هـ 1258 م فقد شن التتار القدامى حملة ابادة بشرية ضد العراقيين وثقافتهم وتاريخهم كالتي نشهدها اليوم ووصل عدد القتلى من العراقيين إلى أكثر من مليوني نسمة، كما وصل إلى هذا الرقم في زمن التتار الجدد.. ولم أر مثل الوردي محباً ومخلصاً للعراق، فقد كان يصارح العراق بأمراضه التي كان لا يريد لها أن تفتك به.
* عندما تقوم ببحث سريع في الإنترنت والصحافة تتوصل إلى شعور بأن هناك إجماعاً على أن علي الوردي أعلن قبيل رحيله بسنوات أنه يقوم بتأليف مذكراته أو كتاب ما أطلق عليه "كتاب العمر". هل حدّثك الوردي عن هذا الكتاب. أشعر ببعض الفضول لأن هناك من يقول أنك كنت ممن يثق الوردي بهم، أي انك كنت من خاصتّه. ماهي معلوماتك عن هكذا كتاب؟
ـ حدثني الوردي رحمه الله عن ذلك أكثر من مرة كما كان يحدث الناس ولكنه لم يرني مخطوطاً، ولاحظ أنك دمجت المذكرات بكتاب العمر، مع أنهما اثنان، فالمذكرات مؤلف قائم بذاته وكتاب العمر الذي كان يعمل به وأعلن عجزه عنه لبلوغه الشيخوخة هو كتاب يدرس الشخصية البشرية، ولكن لم يظهر أي أثر لهذين المؤلفين على الرغم من انني امتلك وثيقة بخط الوردي يمكن أن نعتبرها (اسكيجا) لكتاب دراسة الشخصية البشرية، ولكنه على حد علمي لم ينجزه، أما المذكرات فقد يعثر عليها في يوم من الأيام.
* وأين الجزء الأخير، أو الأجزاء المتبقية، من كتاب لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث تلك التي نعرف جميعاً انها لم تصدر ربما لأن الوردي حجبها عن النشر لأنه لم يشأ التصادم المفتوح مع السلطة في حينها أو انها قد تكون مُنعت بأوامر عليا؟ لماذا لم تصدر حتى الآن؟
ـ في حدود معلوماتي ومسموعاتي من الوردي أنه توقف عن كتابة اللمحات إلى سنة 1958 وظل يدور حول أفكاره كاتباً مقالات تتضمنها، وكان يقول إن الناس يسمونني (الدكتور صاقول) لكثرة ما أعيد وأصقل في الحديث عن أفكاري، والحقيقة أني لا أتفق معك في عبارة (لأنه لم يشأ التصادم المفتوح مع السلطة في حينها أو انها قد تكون مُنعت بأوامر عليا) ذلك لان الوردي كان يمتلك شجاعة نادرة في المواجهة وكان يوجه انتقادات لاذعة وبإسلوب ساخر الى كل ما لا يرضيه من سلطة وافراد وعادات وتقاليد وإجراءات حكومية من دون ان يجد من يحاسبه.. ومن يحاسب الوردي والجميع يعرف حبه للعراق؟.. وكذلك لم تمنع السلطات يوما كتبه وقد قلت يوما ان المحاصرة التي واجهها الوردي وبعض التضييق الذي عانى منه نشأ عن الموقف الضبابي الذي تقفه القيادة السياسية قبل الاحتلال، مما جعل الاخرين يحسبون أنهم اذا احسنوا الى الوردي قد يحاسبون، في حين أني كنت اجد التشجيع لي عندما كنت اكتب عن الوردي والتكريم للوردي عندما اكتب عنه، مما يعني أن خوف الاخرين من معاملة الوردي بما يستحق وهم عاشوه ليس له ما يسوغه ولكن الوردي دفع ضريبة هذه الأوهام مع الأسف الشديد.. لقد ذكرتني بهذا السؤال بشخص يطلق على نفسه لقب بروفيسور ويقيم الآن في أمريكا ادعى أن النظام قبل الاحتلال اعتقل الوردي، والوردي لم يعتقل في حياته إلا أياما في العهد الملكي.

أرفض الاجابة

* نعود إلى علاقتك بالوردي. اعلم جيداً انك كنت تلازمه أحياناً كظلّه فهل يمكنك أن تلقي الضوء على جوانب لا يستطيع القارئ أن يتلمسها حين قراءته لمؤلفات الوردي. زوايا و"درابين" لم يصل اليها إلا عدد قليل من محبيه وأصدقائه وتلامذته المقربين في عالم المثقف والإنسان وعالم الإجتماع وصاحب المشروع التنويري؟
ـ ما تسأل عنه ليس من السهولة الإجابة عنه، أو أني أمتنع عن الإجابة لأن ذلك سيجده القارئ في ثنايا كتبي وخصوصاً كتاب (الدكتور علي الوردي.. مجالسه ومعاركه الفكرية)، الذي يصدر بعد أسابيع، والكتاب الذي أعمل لإنجازه حالياً والذي سأبقي الحديث عنه سراً لأنه سيكون من أكثر الكتب التي صدرت عن الوردي إثارة للجدل، وذلك كله سيكون موثق بخط الوردي نفسه، كما أن ما تطلبه موجود في ثنايا كتاب آخر أنجزته بالاشتراك مع الصديق الناقد والطبيب النفسي الدكتور حسين سرمك والذي سيصدر بعد شهر أو شهرين وعنوانه (محاولة في تحليل شخصية الدكتور علي الوردي)، كما سيشاهد الناس الإجابة عن سؤالك في مسلسل عن حياة الوردي تنتجه قناة فضائية عراقية والذي وضعت فكرته ومعلوماته وكتب السيناريو له الدكتور حسين سرمك الذي بذل جهدا مشكوراً وشاقاً في الكتابة بحيث لم يكن ينام من اليوم الا ساعتين أو ثلاث لكي يكتب السيناريو لأراجعه بعده بهدف الخروج بعمل متكامل، ولا تنس أني ذكرت الكثير عن خفايا حياة الوردي في كتابي (من وحي الثمانين) الذي صدر إلى الآن بثلاث طبعات.
* سؤال فكّرتُ به كثيراً: لماذا كان الدكتور علي الوردي يرتدي السدارة الفيصلية؟ هل كانت السدارة صورة من صور الحنين لفترة ماضية أم رمز حاول أن يقول من خلاله شيئاً ما؟
ـ السدارة الفيصلية من اسمها جاء بها الملك فيصل الأول لتكون رمزاً لطبقة الأفندية بدل الطربوش العثماني، وتمسك المرحوم الوردي بها كان مبعثه إعجابه بشخصية الملك فيصل الأول الذي طالما وصفه أمامي بالذكاء والدهاء.. كان يقول عنه إنه كان بدوياً لكنه كان ذكياً لاعتماده على مستشارين أكفاء بنوا له الدولة العراقية، لذلك تستطيع أن تصف تمّسك الوردي بالسدارة بأنه حنين إلى الماضي، كما يصح أن نقول إن الوردي أراد أن يبين إعجابه بالعهد الملكي من خلال هذا الرمز الذي يضعه على رأسه على الرغم من أنه كان معارضاً لذلك النظام.
* سياسياً كيف تصنّف الدكتور علي الوردي. نعرف أنه كان عراقياً وطنياً وليبرالياً علمانياً. ولكن هذه مسميات فضفاضة يمكن أن ندرج تحتها شخصيات كانت تمّثل أضداداً لبعضها مثل نوري السعيد وعبد الكريم قاسم الذي قتله! في مقاربة مع الحالة السياسية الراهنة في أين خانة تضع الدكتور علي الوردي؟ ولاتقل لي أرجوك أن الدكتور الوردي خارج الخانات والمصنفات السياسية لأن هدفي هو رسم صورة واضحة أضعها أمام ملايين من الشباب العراقي الذي سمعوا بالوردي ويقرأون مؤلفاته ولكنهم عاجزون على ايجاد مكان له في خارطتهم السياسية. أنت رافقت الوردي في أيامه الأخيرة. أعرف أنه كان يشعر بالكثير من الامتعاض. لماذا وممَّ كان ممتعضاً؟
ـ يؤسفني أن أقول لك إن الوردي كان في أواخر أيامه يشعر بالاحباط وجور الشيخوخة واليأس الذي يرافقها، وفي مرات كثيرة سألني كيف يمكن أن يحصل على مادة السيانيد، ولم أكن أعرفها ولكنه قال لي إنها مادة شديدة السمية.. كان يريد أن يتناولها ويغادر الحياة.. على الرغم من أنه كان قبل ذلك يحب الحياة ويخاف الموت.. وكان سبب امتعاض الوردي واضحاً، فالعراق لم يعد في أواخر أيامه ذلك العراق الذي سعى لبنائه مع أبناء جيله، وكان يبدو أنه لم يستوعب التغيرات التي حصلت سريعا بعد الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على البلاد، مثال ذلك أنه مرة استل من جيبه محفظة نقوده وأخرج منها عملة معدنية فئة 100 فلس وأعطاها لعامل كان يعمل لدى السيد صفاء الوردي وقال له: خذ واشتر شيئا لعائلتك، وقد كتمنا جميعا ضحكة في صدورنا لأن هذا المبلغ لم يكن يساوي شيئا في تلك الأيام ولكنه كان لا بأس به قبل ذلك، ومرة ذهبت معه إلى السوق ليشتري نعلا له، لان نعله تقطع، وعندما سأل البائع عن سعره وأخبره بأنه بثلاثة آلاف دينار استغرب، بل أصيب بصدمة، وقال له: (عمي أنا اشتريت بيتي بثلاثة آلاف دينار.. أنت تتكلم صدقاً).. ولم يشتر النعل.. ولا أدري هل كان الوردي يتصنع ذلك، أم لا، ولكني اعتبرت أن رجلاً عاش أكثر سني حياته في استقرار اقتصادي سيهاله أن تنحدر عملة بلده إلى هذا الحد نتيجة التضخم.
* ولكن الدكتور الوردي في الجانب الآخر كان سريع البديهة محباً للنكتة. هل لك أن تحدثنا عن موقف شعرتَ معه انك تقف أمام إحدى تجليات الوردي اليومية المميزة؟ شيء لم تتحدث به أمام الملأ من قبل؟
ـ كان الوردي يصنع النكتة ارتجالاً ويلقيها على مسامع الحاضرين ثم أنه لا يضحك أبداً، بل يجعل الآخرين يقهقهون، وكان العلامة الراحل الدكتور حسين علي محفوظ يقول إن النكات التي يلقيها الوردي هي من "تأليفه وتلحينه".. ومرة دعيَّ لإلقاء محاضرة في نادي الأرمن في بغداد وكان أحد علماء الدين حاضراً فيها وحضرتها نساء كثيرات، ولوى الوردي عنق محاضرته وأخذ يتحدث عن البغايا معتبراً أن البغيّ لا يدّ لها في امتهانها البغاء وأنه كان يعرف تجاراً يخافون الله يحملون على ظهورهم الطعام وفي جيوبهم الدنانير ويذهبون متخفين إلى المناطق التي فيها بغايا ليوزعوا عليهن الطعام والنقود فإذا كانت البغيّ مضطرة لممارسة البغاء بسبب احتياجها للطعام فها هو الطعام مبذول لديها، وإذا كان بسبب احتياجها للنقود فهاهي تمتلك النقود..
ثم قال: وأعرف علماء دين ذهبوا إلى مناطق البغايا وعاشوا بينهن ليؤلفوا دراسة عن أوضاعهن ويضعوا الحلول لهذه الظاهرة.. ثم قال: لماذا نذهب بعيدا فهذا الشيخ فلان واحد منهم، وأشار بأصبعه إليه، ثم قال له: هل تسمح لي يا شيخ أن أقول هذا الكلام؟.. فأجابه الشيخ: وماذا أبقيت أنت يا وردي لتطلب السماح؟!
* أعرف أن لديك كتاباً جديداً عن الدكتور علي الوردي سيصدر قريباً. هل من جديد في هذا الكتاب؟ـ تقصد كتابي (الدكتور علي الوردي.. مجالسه ومعاركه الفكرية)؟
* نعم..ـ هذا الكتاب وعلى الرغم من مرور 15 عاما على رحيل الوردي سيجعلك ترافقه إلى مجالس بغداد وتستمع إليه وهو يناقش مدافعا عن آرائه ومفنداً سواها، وستجد فيه ما لا تجده في أي كتاب آخر صدر عن الوردي.
* أخيراً إذا نظرت إلى المشهد السياسي العراقي السائد هل تجد مكاناً فيه لمشروع علي الوردي في الإصلاح؟ الدكتور سليم علي الوردي في كتابه ضوء على ولادة المجتمع العراقي المعاصر - اذا لم تخنّي الذاكرة - يلقي باللوم على الأحزاب السياسية العراقية أنها لم تحقق أيّما استفادة من أفكار علي الوردي في برامجها ورؤاها السياسية رغم أن مدرسة علي الوردي يمكن أن تكون نبعاً تغترف منه هذه الأحزاب إجابات ما على صعيد تشخيص أسباب الصراعات المجتمعية في العراق. ماذا يقول سلام الشمّاع؟ـ لا يسعني إلا تأييد الدكتور سليم الوردي اذا كان يقصد الأحزاب التقليدية مثل الشيوعيين والقوميين والبعثيين الخ. التي كانت إمكانية الإستفادة من فكر علي الوردي متاحة أمامها منذ الخمسينات - الستينات والسبعينات، فأفكار الوردي لم تكن امريكية ولا روسية ولا فارسية ولا صهيونية، بل كانت افكاراً عراقية أصيلة، ولو كانت تلك الأحزاب استفادت من هذا الفكر لكنا في حال افضل، ولكن التناحر بينها جعل من المتعذر عليها ان تستفيد من فكر الوردي، وتلك خسارة منيت بها الامة ككل، علما أن توجهات الوردي كانت أميل الى القوميين العرب ولي على ذلك دلائل، منها أن الوردي كان يدعو الى قيام علم اجتماع عربي حديث، وهو صورة من صور الوحدة التي تدعو اليها هذه الاحزاب، وثانيها ان الوردي طبع كتيبه الاول وجعل ريعه لمجموعة من الطلبة التونسيين اللاجئين الى العراق يوم ارادوا فصلهم من الجامعة بسبب عدم مقدرتهم على دفع الاجور الدراسية.. وهناك الكثير الكثير مما يمكن الاستناد اليه في هذا المجال.. ولو ان تلك الاحزاب فقهت فقط انتقادات الوردي من دون ان تستفيد من افكاره لكنا الان بالف خير.

ليست هناك تعليقات:

شهداء الضمير والكلمة الحرّة ضحايا ارهاب الاسلاميين

ديوان وصايا الليل والنهار

  عن دار الحكمة في لندن صدر ديوان وصايا الليل والنهار للشاعر سعد الشديدي