الجمعة، ديسمبر 24، 2021

 سماءٌ لها وحدها


السماءُ التي نزلتْ لترتاحَ بين ذراعايَّ

أهيَّ ذاتَ السماءِ التي أرسلتْ وحيَّها للنبيينَ؟

إذنْ كنتُ سأوقظُ بعضاً من الأنبياءِ

وأخبرُهم أنّ التوّسطَ بين السماءِ وبين البشرْ

لم يعدْ مُمكناً،

وأني احتكرتُ طريقَ الصعودِ الى قابَ قوسينِ

وشربتُ من الفجرِ سُورتَهُ

ومن آل عمرانَ باقي السُوَرْ.

السماءُ التي نزلتْ، أرسلتني الى حافةِ الكونِ ..

ليسَ الى آخرِ العمرِ،

ولا في المجرّاتِ عند دخانِ البدايات

أو صوتِ نايٍّ  يقلّبُ في غيمةٍ عن أثّرْ.

حافةُ الكونِ: حين أنوي السفرْ

فلا أستطيعُ،

لأنّكِ أنتِ البلادُ

وانتِ نقاطُ الحدودِ

وأنتِ جوازُ السفر.

الخميس، نوفمبر 04، 2021

 القطّ والقنديل

 

بيتٌ قديمٌ واقفٌ الى جانبِ امرأتي

يَرتدي بدلةً ونظارةً.

تُرى ما يكون؟

أهوَ أنا؟!

 

كيف تترجمُ هذا:

طائرٌ يَحتمي بغريزتهِ؟

رائحةُ القهوةِ المُرّة اليمنيةِ؟

مطرٌ على حجرِ النافذة؟

آهاتُ أمّ كلثوم؟

حربُ الخليجِ؟

سَيدتي حينَ تأتي مِنَ الغيبِ:

عِطرُها .. والعَرِقُ الانثويّ ورائحةُ التَبغِ في شفتيها ؟

 

قطةٌ شعرُها أبيضٌ كالحليب

تمُّشطه كل يومٍ صباحاً..

وتخرجُ تنتظرُ الباصْ..

لتبحثَ عن ضوئِها الخاصْ.

 

على ضوءِ شمعة

يسيرُ الظلامُ يُغني نَشيدَ اِنتصارِه!

 

يعبرُ الطفلُ سياجَ طُفولتهِ

هارباً من حكاياتِ جَدتّه والدُروسْ.

لم يعدْ بَعدها..

ولم تَفتقِدْهُ المدينةُ يوماً.

فليسَ لهُ صورةٌ

ولم يقيدّهُ أحدٌ في سجّلِ النفوسْ.

 

أنسى بأنّ البحرَ قُربي،

حينَ يَعلو المَوجُ أمشي فَوقهُ

أزوّجُ الذِكرى لمَنْ أعيَتُه غُربتُهُ

وأرمي للنَخيلِ يَدي وقَلبي.

 

على ضوءِ نجمة

تَنامُ الحُروفُ وتحتَضنُ الفَتحَ والكَسرَ والضَمَّ

وحينَ تُحاولُ جاهدةً أن تَكونَ .. تَخذُلُها الأبجَديةُ.

 

2021-11-03

الثلاثاء، سبتمبر 28، 2021


نريد لنا وطن

معَ الذينَ يغيبونَ في كلِّ يومٍ

نشربُ كأساً منَ الشايِّ

نناقشُ أخبارَ هذا المساءِ .. قَليلا

ونُدخنُ سيجارةً تحرِقُ الرئتينَ قَليلا.

عندَ الغُروبِ نسيلُ الى النهرِ.

نصطّفُ تحتَ قَناديلهِ

ونراقبُ كيفَ تَموتُ الفراشاتُ

مأخوذةً بالضياءِ الذي يَتموّجُ مثلَ رذاذِ المَطرْ.

قالَ أصغرُهم: هكذا مُتُّ،

رأيتُ ضياءً فمشيتُ اليهِ كأني أسيرُ على غيمةٍ!

ولَم أنتَبهْ الى أنَّ قناصةً فوقَ سطحِ البنايةِ كانوا يشيرونَ نَحوي..

فسقطتُ الى الأرضِ من غَيمتي.

 

ومع الذين يموتون في كلّ يومٍ

نراقبُ أصحابنا.. مَن سيسيرُ الى حتفهِ غاضباً

من سيهاجرُ ..

من سيقامرُ ..

ومن سيغامرُ في مركبٍ ليس يصلحُ للموتِ في البحرْ.

 

قال أجملهم: سأموتُ غريقاً.

وإنْ كانَ قبراً ..

إذن فليكن واسعاً

يكفي لطاولةٍ للكتابةِ

ومدفأةٍ في الجدارِ

ونافذةٍ تطلُّ على العدم ..

 

لا شيء يمنعنا لنحلمَ بعد هذا العمر..

نريدُ لنا وطنْ.

وطناً واقفاً على قدمين من النارِ والماءِ

لا يغنّي إذا سارَ الى الحربِ يومًا

بل يوّدعُ أغصانَه بجلالِ الإلهِ وحزنِ اليتيم.

وطناً لا يسيرُ الى موتهِ راضياً.

لا يبّدلُ يومَ غدٍ

بأمسٍ بعيدٍ

ولا يبدّلُ شمسًا بسواها.

وطناً إذا ماتَ فيهِ إلهٌ تجسّدَ فيهِ الترابُ الاهاً.

هكذا توضَع الكلماتُ على أسطرٍ في الحكاية

لتسقطَ ضمنَ السياقِ الروائيِّ

ولا تتحررُّ إلا بموتِ المؤلف.

 

يستدركُ البعضُ ..

ربما سيعودُ الذين يموتونَ في كلِّ يومٍ

ليكونوا سياقًا جديداً،

وقابلةً في ولادةِ أرضٍ يسيّجُها النحلُ

وينبُتُ فيها المغنونَ والعاشقونَ وأطفالُهم. 

السبت، أغسطس 28، 2021

 

أشجار لَو ...


لو كنتِ تُنصتينَ لي

لما تأخّرَ الربيعُ عن مَوعدهِ

 وغابت النجومُ في لقائِنا المُؤجلِ

وما أنتهى حبٌّ بَسيطٌ رائعٌ

وما ذَوى تحتَ غُصونِ التينِ والسفرجلِ.

لو كنتِ تُنصتينَ يا صَديقتي

لهاجرتْ طيورُ عينيكِ الى حَديقتي

وغيّرَ الزمانُ من  فُصولهِ

ورتَّبَ الدُنيا على طريقَتي.

لو كنتِ تُنصتينَ يا سَيدتي لِما أقولُ

لما رمى البحرُ هنا قنديلَهُ

وضاعتْ الغُزلانُ والخيولُ.

الموجُ لا يعرفُ ما يقولُ

الصمتُ لا يعرفُ ما يقولُ

حين يراكِ تعبثينَ بالندى

ويرمحُ الياقوتُ في الرمالِ.

لو كنتِ تأتينَ .. ولو لمرّةٍ

لأشرقتْ بغدادُ في يَميني

ونوّرتْ بيروتُ في شَمالي.

لو كنتِ يا سيدتي ..

الثلاثاء، مايو 18، 2021



 سياجُ الورد


اضعتُكِ في البحرِ،

في لُجّةِ البحرِ.

كنّا نحاولُ ترتيبَ ذاكَ المكان الذي ورَثناه عن جَدِّنا!

طَوينا الشراعَ لكيلا تبعثرهُ الريحْ ..

والريحُ طاحونةُ التائهين.

وحين هُزمنا، توهمّتُ أن الطريقَ اليكِ على بُعدِ يومٍ وليلة.

طويتُ الزمانَ الى نورِ عينيكِ

وكانت خطايا البلادِ تدورُ ... وَتعوي.

أضعتُكِ حينَ تركتُ النجومَ التي أرضعتني

وكان رحيلي هروباً من الشوكِ والخدمةِ العسكريةِ.

تركتُ القلاعَ لمن سيُسقطها.

وأنتِ لمن كانَ يحبّكِ كالموتِ - مختفياً،

منتظراً خطأً واحداً ... في كتاب القدَر.

إسمُه، يُواطيءُ إسمي ولكنهُ ليس أنا.

وأنتِ ... أما زلتِ أنتِ؟

أيحبُّك حقاً؟

أتحبيّه...؟!

أتقتسمينَ المساءَ معَ الوردِ في قلبهِ؟

وتنتظرينَ على مَهَلٍ حماقاتَه ...

مثلما كنتِ تنتظرين انفجاري؟

وتبتسمينَ بمكرٍ فأصحو سريعاً

لأغيّرَ مَجرى حَريقي وناري.

وعطركُ ذاكَ الخرافيُّ؟

أيمنحهُ هُدنةً في البدايةِ ...

ووعداً ببعضِ الأمانِ؟

ثمّ يفاجئه ليأخذَه للسمواتِ ...

ويبعثرُ أنفاسَهُ في جحيمِ المكانِ وغيبِ الزمانِ،

لماذا تذكرتُ عطرَكِ؟

من قال إني نسيتُه!

يقابلني في الطريقِ الى البيتِ وجهاً لوجهٍ

ويعرفُني،

ولكنَهُ يمضي الى شأنهِ دونَ أيّ اهتمامِ

يُباغتني في مَنامي..

ويغادرُ وجهي ليطيرَ الى جهةِ القلَبِ حيثُ غصونَ الحمامِ.

أحاورهُ ... وأناورهُ،

أحاولُ اقناعَهُ أن يفارقُني بسلامِ،

ولكنّ عطرَكِ مثلكَ أنتِ تماماً

قويٌّ ... أنيقٌ .. عنيدٌ

عصيٌّ على الفَهمِ ...

مقتصدٌ في الكلامِ.

أضعتكِ قبلَ أن ينتهي يومُنا

فأخذتِ من الشمسِ لونَ ظفائرها ..

ومن الفجرِ وردَ الخزامِ.

ولوَّحتِ ساعتَها ... أراكَ قريباً.

ولم نلتقِ سِوى صدفةً في الزحامِ.

 

سعد الشديدي

11 أيار/مايو 2021

السبت، يناير 23، 2021




صورة في ألبوم عراقي

 

في صفحةِ الألبومِ

نامتْ صورتانِ وراءَ غيمِ اللاصقِ الشفّافِ.

بالألوانِ واحدةٌ،

وأخرى صورةٌ شمسيةٌ لَم تمسحِ الأيامُ جذوتَها

تأملتُ الأخيرةَ.

من يكونُ الجالسُ المسحورُ

ما بين الجدارِ وآلةِ التصويرِ؟

مستندًا الى الكرسيِّ،

مندهشًا.. يداري خوفَهُ بالكبرياءِ

وبدلةِ الكشّافِ.

لونُ الوجهِ بنيٌّ، ولونُ الشعرِبنيٌّ..

ولونُ قميصهِ في الشمسِ .. ممتقعٌ،

كمنديلِ الرُعافِ.

من يكونُ الجالسُ المشتاقُ للدنيا؟

ترى هل كانَ يعرفُ أنّ بدلتَه الجديدة

تشبهُ الأكفان؟

وأنّ أحلامَ الطفولةِ

لم تعدّ تكفي لأسماءِ المطاراتِ البعيدةِ

والمحطاتِ الشريدةِ

والموانئ والعواصمِ والشوارعِ

 والسواحلِ والضفافِ.

الخميس، يناير 21، 2021

 


إقدام

 

صورٌ على الجدرانِ،

قافلةٌ من الصورِ التي تمشي على الجدرانِ

في ليلٍ شتائيٍّ ضَنينْ ...

وبقيةُ الأشياءِ نائمةٌ ...

فلا الصحراء تعرفُ من يكون القادمين

ولا الندى يدري بأنّ الغيمَ مسكونٌ

بأرواحِ التواريخِ البعيدة والسنينْ.

 

مرّوا كأنّ ظلالهم غابات نخلٍ

وابتسامتهم حنينْ.

وتبدّدوا، في لحظةٍ،مثلَ السرابِ!

غابوا.. تواروا ..

لم يعودوا مثلما وعدوا.

فكأنهم  أفقٌ يطيرُ ليختفي بينَ التلالِ وخلفَ أسوار الضبابِ!

في آيةِ الكرسيّ كانوا يسكنون..

وعلى جنائن بابل الأولى يقيمونَ الصلاة ويسهرون.

 

كانوا هنا وهناكَ...

في بستانِ جديَّ، كانَ ناعورٌ يدورُ.

وكنتَ تجلسُ دونَ أن تدري بأنّ حصانَ جدّكَ كانَ يمشي نائماً

ويفوتهُ الزمنُ الأخيرُ.

 

ضيَّعتَ حُبّكَ أم أضاعكَ؟

واريتَه أنتَ الترابْ..؟

أم أنهُ واراكَ ثمّ أتاكَ في حلمٍ

وطافَ على دموعكَ؟

 

كانت سماءُ الليلِ غامضةً ..

وأنت تعيدُ ترتيبَ السطورْ

وتعلّمُ الأشجارَ حكمتنا وأسرارَ الطيورْ.

يا صديقي.. يا أخي

هل أنجبتكَ جبالُ بكّةَ

أم طوَتَكَ تلالُ أورْ؟

 

تسيرُ كلَّ الدهرِ

ثُمّ تعيدُ في نجواك أنكَ زائرٌ ستعود يوماً

مسرعاً من حيثُ جئتَ..

يا أيها الآتي من المستقبلِ..

اِنتظر القوافل

أن تعود من السهولِ ...

فيها الحرير وعطر من أحببتَ

فيها..

والمنّ والسلوى وأبراج الفصولِ.

كم كنتَ مشغولاً بتعديلِ النهاياتِ الأليمةِ في الحقولِ؟

ولكَم سهرتَ لتحرسَ الجوريَّ

من بردِ الشتاءِ .. ومن غوايات الرمادِ

يا أبنَ أميّ وأبنَ ذاكرتي وزادي.

عبثاً يحاولُ من أرادكَ أن تكونَ كما يُرادُ

فقد خُلِقتَ لأن تكونَ كما تريدُ..

يوم الولادةِ والغيابِ

ويومَ تُبعَثُ في المعادِ.

 

هل كنتَ تعرفُ أنّ وجهكَ لا يُغيبُ

وأنّ وهجكَ مثلَ صمتِ الكونِ باقٍ

 لا تغادرهُ حياةٌ أو يُغيبّه مغيبُ.

منذ اِختيارِ الإسمِ كانت اِحتمالاتُ الحياةِ لديكِ واضحةً

وأنتَ ندىً وطيبُ.

 

صورٌ على الجدرانِ هادئةً تسيلُ

مكلومةً تُرخي ستائرَها

تحدّقُ في الظلامِ

وتستعيدُ وجوهَ من غابوا،

ليرتفعَ الصهيلُ.

 


شهداء الضمير والكلمة الحرّة ضحايا ارهاب الاسلاميين

ديوان وصايا الليل والنهار

  عن دار الحكمة في لندن صدر ديوان وصايا الليل والنهار للشاعر سعد الشديدي