لم يكد اليوم ينقضي حتى نقلت أخبار العراق أن الحاكم بأمر الطائفية والفساد والإحتلال أصدر أوامره بإطلاق النار على شبيبة الموصل وأعيانها، دون أن يحسبَ حساب نقمة الشعب وغضبه، ودون أن يدرك أن الموصليين جُبلوا من صخر العراقِ صلابةً ومن ماء دجلة وفاءاً وأن رصاصه سيصطدم إما بصخر فيرتد عليه أو بماء فيبردُ ويموت.
فأي ساحة أنتِ يا ساحة الأحرار ومن أي معدن أصيل وعصيّ على التطويعِ والتذويبِ وإعادة التشكيل، أنتم يا رجال الموصل ونساؤها؟
تتبدى الدنيا سحابة عامرة بالغيث على رؤوسكم فتتصاعد أغاني الربيع في أم الربيعين، وترتفع المأذنة، التي ظلتّ راكعة لربّها مئاتٍ من السنين، تحيةً لكم، ولكن الحاكم المختبأ في منطقته الخضراء قررّ تنفيذ حكم الإعدام بالربيع الموصليّ وبإبادة شمسه الدافئة كي لا تذيبُ شمعَ الإحتلال الأحمر فيفقد مناصريه وضامني عرشه المتأرجح. فأي نذالة هذه التي تتجه بسهامها نحو صدور الأحرار وأي حاكم هذا الذي فقد صوابه وبوصلته ووطنيته؟
كيف يجرؤ حامي حمى دولة الفساد أن ينتهك سلامك يا أرض الأنبياء والصديقين؟ يا تراباً عركتهُ سنابك جياد العراقيين منذ آشور ناصربال وسيف الدولة الحمداني حتى شهداءنا الذين سقطوا في ثورة الغضب العراقية التي انطلقت في 25 شباط لتعلن عن فجر عراقٍ جديد، حُرّ واحدٍ صمد لايقبل القسمة ولا الإنقسام.
هاهو العراقي، يا أرض النبوات، يقدم نفسه ضحية على مذبح تحريرك من الغزاة الأجلاف ويرمي بنفسه في نار النمرود فلا تكون عليه سوى برداً وسلاماً. فهل يعرف الحاكم بأمر الزمرة الفاسدة التي جعلت من دولة العراق مغنماً أن يومه أصبح قريباً؟
هل فكّر الجالس في المنطقة الخضراء أن الموصل ستكون بداية نهايته حين رفع هاتفه المحمول وأصدر أوامره الى كلابه المطيعة بإطلاق النار على المتظاهرين المسالمين؟
أما نحن التائقين لعراقنا الحرّ ذلك الذي حلمنا به عالياً بهياً، فلا نشكّ بأنها نهاية نظام الفساد والمحاصصة والطائفية، وأن المارد العراقي الذي اُجهضت انتفاضته تحت ذرائع خسيسة أبى إلا أن يُكمل ثورته ويكللها بورد الموصل وأغصان ربيعها المتألق بشجاعةٍ فتيانها وزغاريد نساءها.
ومن موصل الأحرار الى ساحة التحرير في بغداد، ومن هناك الى أبطال الكوت ثمّ الى الإنبار ورجالها الصابرين المحتسبين الواثقين بنصر الشعب، والى جميع مدن العراق وقراه عابراً حدود الطائفية والمناطقية والأثنية التي حاول الغزاة وكلابهم حفرها، بحراب البنادق وسلاسل السجون السريّة، في جلود العراقيين وهوياتهم.
انها نهايتهم، وبداية الربيع العراقي الذي يسير بسنّة خالقه عزّوجلّ، غير أبهٍ ولامنتظرٍ نهاية مهلة الأيام المائة التي فيها سينهار سقف القصر الورقي ويحترق بنيان المحاصصة الطائفية ودولة الفساد ليعمّد بنور الشمس الربيعية ولادة عراقنا الجديد.
فمرحى أيها الربيع الذي يأتي كما دوماً من أم الربيعين ومرحى لموصلِنا، لبغدادنا وأنبارنا وكوتنا، مرحى للعراقيّ الذي ينهض من موته المؤقت ليُشيد من جديد نينوى وأسوارها وبابل وأسواقها وبغداد وحواضرها والكوفة ومآذنها. أنها ولادة عراق نراه قريباً ويراه المختبئون في منطقتهم الخضراء بعيداً. وسيرون غداً أنه أقرب اليهم حتى من حبل الوريد!
سعد الشديدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق