لقاء مع المخرج المسرحي العراقي كريم رشيد
حاوره: سعد الشديدي
ككّل عام تتفتح غابات من الورد في سهول بلادنا وعلى سفوحها, وتعلو صرخات الموسم المفعم بأمل متجدد في ساحات بلادنا وشوارعها. فهاهو نوروز يعود من جديد ليعمّد بالنار والندى دورة الفصول. ولنوروز قصته الأزلية، في سطورها مساحات من التغير الذي تحرّكه إرادة الحياة. والإحتفال به هو إحتفاء وتكريم لرغبة الحياة وقوانينها المتجددّة. إنه التوق الدائم للتناغم بين الإنسان والطبيعة، والأنسان والإنسان، ووقفة لتحديّ قوى الظلام – في الطبيعة والمجتمعات – تلك التي تحاول النيل من وجود الإنسان المتميز على هذا الكوكب، وجعله كائناً أليفاً ورقماً تائهاً في سجلات متآكلة، لكنه يأبى إلا أن يكون رقماً صعباً في مواجهته لقوى الطبيعة وأعداء الحلم و الحرية. ونوروز هو الدليل.
المسرح البلديّ في مدينة مالمو في السويد Malmö Stadsteater يحتفل معنا، ربما للمرّة الأولى، بنوروز القادم هذا العام بتقديم مسرحية برايموك، للجمعية الكردستانية للفنون الجميلة في يوم الأحد 20 آذار 2011.
ولكن هذا العمل لم يكن ليُعرض على مسرح مالمو لولا جهود المخرج المسرحي العراقي كريم رشيد الذي يعمل مخرجاً في مسرح مالمو البلدي، والذي كان وراء إختيار هذا العمل المسرحي وإستضافته لتقديمه على أحد المسارح التابعة لمسرح مدينة مالمو.
المخرج المسرحي كريم رشيد يؤكد أن خشبة المسرح قادرة على التقريب بين حدود الثقافات في العالم، وعلى وضع ثقافات العراق المتعددة في سياقات تجعل الثقافة العراقية أكثر إتساعاً وبهاءاً وتقرّب بين العراقيين بشكل أخفق السياسيون بتحقيقه حتى الآن.
الربيع لم يقرع أبواب الجنوب السويدي بعد، ومسرح مدينة مالمو يحتفل بنوروز، عيد الربيع؟
- أنه هاجس اللقاء بين مساحتين أضنينا أنفسنا في التجوال بين متاهاتهما ، الهنا والهناك ، يتداخلان في عالمنا ويخترقان كل حيز نسعى للتوافق والتعايش معه، أنه سعي للتمسك بالبعيد ومصافحة بين الذاكرة والمستقبل .
جاليات الأكراد والأيرانيون والأفغان وشعوب أخرى من طاجكستان وأذربيجان يحتفلون كل عام بعيد نوروز الذي يمثل لهم أحتفاءاَ بالربيع والحرية، والمسرح البلدي لمدينة مالموالذي أعمل فيه يريد أن يعبر عن فخر المدينة بأحتضانها أكثر من 100 قومية من كل أنحاء العالم، يعكس أنسجامهم الأجتماعي وتنوعهم الثقافي إمكانية الحاضرات المدنية أن تحيل الأختلاف القومي والثقافي الى ثراء حضاري.
المسافة بين مالمو والعراق طويلة جداً، ولانقول بعيدة, ليس على خارطة الجغرافيا وحسب بل ربما أيضاً في خارطة الثقافة. هل يشكّل وجود فرقة مسرحية من كردستان العراق على مسرح مدينة مالمو Malmö Stadsteater محاولة لتقريب تلك المسافة؟
- المسرح هو واحد من بين أهم نشاطات الفكر الإنساني التي أحتضنت الإختلاف الثقافي وفعّلت مشاعية الفكر وحرية التعبير ولهذا فنحن هنا نريد لإستضافتنا للفنانين المسرحيين من كردستان أن تكون جهداً متواضعاً للحوار الثقافي بيننا لا بوصفنا عرباً وأكراداً بل بوصفنا معنيين بأنتاج ثقافة حرة تنتمي للأنسان أينما كان . نحن ندرك أن الفن المسرحي في كردستان يسعى بجدية لتطوير فاعليته الأجتماعية وكذلك تطوير أساليبه الفنية ونريد أن نسهم في مد جسور بين كل من يسعى لإستثمار المسرح كواسطة للحوار بين الثقافات. الفرقة الضيف من كردستان ستتجول أيضا في السويد لتقديم عرضها المسرحي في مدن أخرى مثل غوتنبرغ ولاندسكرونا .
المسرحية باللغة الكردية. الأمر الذي سيحرم العراقيين الذين لايجيدون الكردية من الإستمتاع بها. هل تفكرون يوماً، مثلاً، بإستضافة عمل عراقي باللغتين العربية والكردية، وربما بلغة ثالثة هي السويدية ليجد الجميع مكاناً لهم للتماهي مع العمل المسرحي؟
- نعم هذا صحيح، فأستضافتنا لها جاءت للمساهمة بالإحتفال بعيد نوروز هنا في مالمو والمسرحية المستضافة ((برايموك)) هي عرض موسيقي غنائي، لهذا فهي مناسبة للجمهور الكردي لكن الآخرين أيضا يمكن لهم الإستمتاع بالموسيقى والغناء الكردي .
هناك أكثر من مشروع في هذا الصدد، لعروض مسرحية بأكثر من لغة، وهذا تواصل لجهد إبتدأتُه منذ سنوات حيث قدمت عروضاً باللغة العربية والسويدية والأنكليزية، وقريبا سيكون هناك عرض جديد بأكثر من لغة للجمهور العربي والسويدي . أما بخصوص تقديم عروض عربية كردية فلدينا أفكار ونصوص مناسبة لكن أنتاج مثل هذا العرض يفترض أن يكون داخل العراق أولاً، لكننا نأمل من المؤسسات المعنية صاحبة النفوذ والأمكانية في بغداد وكردستان أن تبدي بعض الأهتمام لدعم هذا المشروع كي نتمكن من تنفيذه .
أعرف أن لك محاولات في أعمال مسرحية قُدّمت على المسرح بأكثر من لغة. هلا حدثتنا عن تجاربك السابقة في هذا المجال. وهل تنوي تعميق هذه التجربة في المستقبل؟ يعني هل ثمّة مشروع يحمل سمات مشابهة في الأفق؟
- نعم تجربتي في هذا الصدد بدأت منذ عدة سنوات وصارت تجد ملامحها الفنية وطورت حلولها التقنية، حيث بدأت عام 2004 بتقديم مسرحية ( كلكامش الرجل الذي رفض الموت ) التي قُدمت باللغة السويدية والأنكليزية وعرضت في عدد من المدن في السويد وأسبانيا ثم قدمت في القدس ورام الله وأريحا وبيت لحم في فلسطين بالعربية والأنكليزية، والعام الماضي قدمت مسرحية ((ستليت)) التي أشترك بتمثيلها ممثلة سويدية وأخرى مصرية. كانت لغة العرض بالسويدية والعربية والأنكليزية، وقُدمت المسرحية في السويد ومصر .
لماذا لايقوم كريم رشيد بالتصدي للبدء بعمل ثقافي يحمل بُعداً سياسياً من بين همومه دمج الحالات الثقافية في العراق، من كردستان الى االبصرة في عمل مسرحي بعدد من لغات العراق المختلفة، العربية والكردية والتركمانية والكلدوآشورية؟
- أمر مؤسف وغريب أن مؤسسات الإنتاج الفني في العراق لم تبد أي أهتمام لجهة أستثمار المسرح كوسيلة لعكس التنوع الثقافي العراقي وتفعيله. وإذا ما أتيحت لي فرصة من هذا النوع - وهذا أمر مستبعد - فسيكون ذلك أول ما أقوم به في العراق. فأنا أرغب فعلاً بنقل هذه التجربة التي أبتدأتها هنا لتكون جزءاً من المشهد المسرحي العراقي الذي نعتز ونفخر به. الكثير من زملائنا الفنانين والمثقفين كانوا سعداء جداً بمد الجسور معي لكن أولئك الذين يديرون تلك المؤسسات يتهربون من إتاحة فرصة لإستعادة فناني العراق المهاجرين الى الساحة المحلية ربما لأنهم مشغلون بما هو أجدى نفعا لمصالحهم الشخصية فهذا ينسجم مع مناخ العمل السياسي السائد في العراق حاليا. أذكر جيدا أنه حصل في مصر في فترة الأنفتاح التي أعقبت أتفاقية السلام فساد أداري كبير لخصه محمد حسنين هيكل بتعبير ساخر هو ((سياسة خذ لك هبرة وإجري )) ويبدو ان هذا هو ما يشغل بال المسؤولين العراقيين اليوم.
يبدو أن الساسة فشلوا في التقريب بيننا. بل هم ربما يرغبون بتأكيد الفوارق أكثر من المشتركات بين العراقيين. ألم يحن الوقت للمثقف العراقي أن يفعل شيئاً للتقريب بين ألوان الفسيفساء الثقافي العراقي؟ واذا كانت الرياضة نجحت في توحيد العراقيين في لحظات معينة أليس المدى مفتوحاً على مصراعيه للثقافة لتجريب أجنحتها في السماء العراقية الرحبة؟
- لقد كنت دائما أكرر أن الثقافة العراقية والفن العراقي هما اللذين حفظا الهوية العراقية التي عبث السياسيون بها وكادوا أن يمزقوها بسبب نزاعهم للأستحواذ عليها. ولهذا السبب أيضا غالبا ما تكون هناك قطيعة بين الذهن الثقافي والذهن السياسي، فالأول معنيّ بالأبداع ويسعى للتجديد والتغيير والإطاحة بكل هالات التقديس التي تحيط بما هو مصطنع وزائف لمصلحة الإحتفاء بالأنسان والفكر. أما الآخر فيسعى للهيمنة والإستحواذ، فهاهو الفكر السياسي يعزز الطائفية ويقود نحو التكتلات والصراعات المفتعلة سواء في العراق أو في المنطقة العربية التي تحتفي اليوم بتهاوي الأصنام السياسية لتأكد أن الثقافة والفن في منطقتنا هما من يمسك بفسيفساء مجتمعاتنا العربية لا جنرالاتها المحاصرين اليوم بخوفهم.
أخيراً هل يفكر كريم رشيد بالتعاون مع مسرح مدينة مالمو Malmö Stadsteater لإستضافة فرق مسرحية من بغداد وبقية مناطق العراق في الفترة القادمة؟ هل ثمّة صعوبات أمام طموح كهذا؟
- بالطبع هذا أمر لن أكف عن السعي لتحقيقه، بل أني أرى صورته جاهزة أمامي. والمشروع حالياً في طور البحث مع إدارة المسرح البلدي لمدينة مالمو الذي أعمل فيه. هذا مشروع إذا تحقق فسيفتح آفاقاً كبيرة لصالح حضور المسرح العراقي في الداخل والخارج ويعزز التعاون مع الفرق الأجنبية. بالطبع هناك الكثير من الصعوبات والتكاليف غير أن إدارة المسرح البلدي في مالمو أبدت أهتماماً بالمشروع وننتظر أن نرى أهتماماً مماثلاً من الجانب العراقي لصالح الفن والفنانين العراقيين.