يوم أمس الجمعة نشر موقع ويكيليكس 391832 من الوثائق السرّية لوزارة الدفاع الأمريكية جرى تسريبها الى الموقع الذي نشر في وقت سابق آلاف الوثائق والتقارير المسربّة عن الحرب في افغانستان.
تكشف التقارير العسكرية الأمريكية المنشورة في ويكيلكس بالأرقام والوقائع ماجرى في فترة أربع سنوات كاملة تمتد من الشهر الأخير في 2004 (1 كانون أول 2004) الى الشهرالأول 2009 (31 كانون ثاني 2009). في هذه التقارير التي كتبها جنود الولايات المتحدة في العراق وصف كامل – الى حدّ ما شبه يومي – لما حدث في العراق. وتعتمد التقارير على ملاحظات شاهدها وسمعها الجنود الأمريكيون. لذلك فإنها ذات أهمية خاصة لأنها تنقل بشكل دقيق ما كان يجري خلال وقت محددّ بأقلام شهود عيان أو قريبين جداً من الأحداث ولشهاداتهم أهمية كبيرة ليست من الناحية التوثيقية وحسب من ناحية فهم مايجري في العراق بعد عام 2003.
بإجراء تحليل سريع – لايغطي بالتأكيد جميع الوثائق والتقارير التي يبلغ عددها أقل بقليل من أربعمائة الف وثيقة – يمكن بشكل عام تحديد عدد من المحاور اهمها:
1- سلوك الجنود الأمريكيين ضد المدنيين العراقيين. هذا الجانب يشكّل جزءاً مهماً من التقارير. وليس هناك الكثير من المعلومات الجديدة في هذا الجانب إذ أن الكثير مما ورد في تلك التقارير معروف سلفاً ولو بشكل غير رسمي. فالعراقيين وغيرهم يعرفون الكثير عما جرى اثناء تلك السنوات الأربع وبعضها موّثق بالصوت والصورة وتمّ نشره في وسائل الإعلام.
2- جرائم شركات الحراسة الخاصة. تشكف التقارير أن وزارة الدفاع الأمريكية كانت على اطلاع كامل بحوادث اطلاق نار قام بها أفراد ينتمون الى تلك الشركات، ذهب ضحيتها العشرات من العراقيين. ووصفت تلك التقارير أن الموظفين العاملين في تلك الشركات اصبحوا "عناصر خارج السيطرة" ولكن القيادات العسكرية الأمريكية لم تقدم إلا عدداً قليلاً منهم للمحاكمة مع علمها الكامل بتفاصيل كافة الحوادث.
3- وثائق وتقارير تكشف الستار عن نشاط القوات التابعة للحكومة العراقية. أكدّت التقارير أن هناك فرقاً خاصة ترتبط مباشرة وتأتمر بأمر رئيس الوزاء نوري المالكي وأن تلك الفرق خرقت القانون مرات كثيرة ونفذت اعتقالات غير قانونية. وأن القوات المسلحة العراقية تمارس التعذيب بشكل منتظم بحق السجناء في السجون والمعتقلات العراقية.
4- الدور الايراني. تزيح آلاف من التقارير الأمريكية الستار عن تعاظم الدور الايراني في العراق، وتكشف عن توّرط الحرس الثوري الإيراني في تقديم الدعم المالي لمجموعات عراقية مؤيدة لإيران ومدّها بالأسلحة – حتى الثقيلة منها وتواجد شكوك بتهريب أسلحة مضادة للطائرات الى هذه المجموعات. ويتجاوز الدور الإيراني ذلك الى ممارسة ضغوط مستمرة على سياسيين عراقيين واغتيال عدد آخر، ووصل الأمر الى محاولة اغتيال السيد رئيس الوزراء نوري المالكي (عندما تصدى للجماعات المؤيدة لإيران) وكذلك محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي.
لايمكن أن نشككّ بمصداقية جميع الوثائق المنشورة ولايمكن أيضاً أن لانفعل ذلك. فالوثائق هي تقارير يرفعها جنود وضباط أمريكيون كتبوها في ظروف مختلفة وهم تحت ضغوط عديدة، وقد تكون المعلومات مبالغ فيها أو ربما تمّ التقليل من أهمية البعض الآخر. ولكن مايجب الإنتباه له، وعلينا أن نضع تحته الكثير من الخطوط، هو أن المواطن العراقي، وبشهادة مئات الآلاف من الوثائق الرسمية الأمريكية، هو دائماً الضحية. فالأمريكيين لايعاقبون جنودهم الذين قتلوا مدنيين عراقيين ومارسوا أبشع عمليات التعذيب ضدّهم. ومنتسبي شركات الحماية الخاصة – بلاكووتر وجماعتها – الذين قاموا بقتل عشرات المدنيين العراقيين بدم بارد لم يتعرضوا هم الآخرين لأي مسائلة قانونية لامن قبل السلطات الأمريكية ولا العراقية. ذات الشئ ينطبق على القوات المسلحة العراقية التي طالما حلمنا بأن تكون قوات من الشعب وللشعب وأن تأتمر بأمر القانون وتسير وفقه بغض النظر عمن يكون الرئيس والقائد الأوحد والملهم وعبقري زمانه الذي يقود بلادنا.
أما أيران فدورها أكثر من واضح في توجيه آفاق المشهد السياسي العراقي فهي الأخرى موغلة في توجيه مخالب الموت نحو المدنيين العراقيين وهذا ليس بالجديد أيضاً.
لايهم من سيشككّ بمصداقية الوثائق المسرّبة ولايعنينا من سيرفعها ليستعملها قميص عثمان في معاركه ضد جهات بعينها. ما يعنينا هنا هو أن آلاف العراقيين الذي قضوا خلال سنوات أربع خرجوا من قبورهم ، المعروفة والمجهولة، وهم يدورون الآن في عالم السايبرسبيس يطالبوننا جميعاً بعدم تكرار ماحدث لهم مع أبرياء آخرين. الدم العراقي يسيل عبر كابلات الإنترنت وخطوط الهاتف.. يسيل من شاشات الكومبيوتر على طاولاتنا وأوراقنا بعد أن سال الكثير منه على شوارعنا وفي بيوتنا.
وثائق ويكيليكس منحت قتلانا وجهاً نراه نحن كل يوم ونعيش معه وعلى ذكراه، فموتانا معنا يأكلون من خبزنا ويشربون من كؤوس الشاي التي نشرب منها حتى أننا نشعر بأنفاسهم تتردد ليس في ضمائرنا وحسب بل في الهواء الذي نتنفس.
أما القاتل، أما القتلة فلينكروا ما شاؤوا وليشككوا بصدق الوثائق ما أستطاعوا فالموتى قادمون ليعلموننا درساً لن ننساه.
سعد الشديدي
gelgamesh2000@hotmail.com
الخبر المنشور على موقع ويكيليكس
في الساعة 05:00 بتوقيت شرق الولايات المتحدة في يوم الجمعة 22 أكتوبر 2010 نشر موقع ويكيليكس أكبر تسريبات عسكرية سرية في التاريخ، 391,832 تقريراً (سجلات حرب العراق), توّثق للحرب والاحتلال في العراق، في الفترة الممتدة من 1 كانون ثاني/يناير 2004 إلى 31 كانون أول/ديسمبر 2009 باستثناء شهري أيار/مايو 2004 وآذار/مارس 2009 كما رُويت من قبل الجنود في جيش الولايات المتحدة. كل منها يوّثقُ حدثاً ذا أهمية خاصة في الحرب - Significant Action - SIGACT. وتؤكد تفاصيل الحوادث التي شوهدت وسُمعت من قبل القوات المسلحة الأمريكية في ميدان العمليات في العراق وهي اللمحة الحقيقية الأولى في التاريخ السرّي للحرب أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية كانت مطلعة على مجريات الأمور طوال الوقت.
تذكر التقارير وقوع 109,032 حالة وفاة نتيجة للحرب في العراق، تشمل 66,081 من المدنيين، 23,984 "عدو" (مصنفون على انهم من المتمردين)، البلد المضيف 15,196 (قوات الحكومة العراقية)، و3,771 "قوات صديقة" (قوات التحالف). الأكثرية العظمى من القتلى كانت بين المدنيين إذ بلغت 66,081 قتيلاً أي أكثر من 60% من العدد الإجمالي للقتلى, أي أن 31 مدنياً قُتلوا كل يوم على امتداد فترة ست سنوات. بالمقارنة مع 'Afghan War Diaries' التي نشرها موقع ويكيليكس مؤخراً، ويغطي نفس الفترة فإن عدد القتلى في أفغانستان بلغ حوالي 20,000 قتيلاً. أما عدد القتلى في العراق في نفس الفترة فإنه يعادل خمسة اضعاف مقارنة بعدد السكان.
نقلاً عن موقع ويكيليكس: ترجمة سعد الشديدي