حكومة كاملة ... ليس رئيس وزراء فقط
تلوحُ في الجوّ العام حالة حذر
وتحرّج من تسمية رئيس وزراء للمرحلة الانتقالية، هذا هو الوضع في ساحات الاحتجاج
بشكل عام. من يعرف التفاصيل التي تدور في الساحات يمكنه دونما كثير عناء معرفة سبب
ذلك. الاكثرية الساحقة من الشباب الذي أيقضوا العراق من سباته الذي استمر على مدى
16 عاماً، ليسوا من أهل السياسة. يبدو هذا واضحاً من النظر في متوسط أعمار الشبيبة
التي تصدّت لمسؤولية تغيير الأوضاع نحو الأفضل. إذ لايزيد متوسط أعمارهم عن 25
عاماً. أغلبهم ليسوا حزبيين بمعنى الانتماء الحزبي الى هذا الفكر أو ذاك، وثمّة
نظرة ازدراء تسود في هذا الوسط للحياة الحزبية. قد يكونوا على حقّ في ذلك لأنهم
عاشوا تجارب مريرة مع الأحزاب التي دمرّت بلدهم. لكن بمجرد خروجهم الى الشارع
رافعين رايات المعارضة لحكومة ومطالبتهم بإستقالة رئيسها وصمودهم لأكثر من شهرين
أصبحوا قادة للحراك السياسيّ سواء كانوا يعون ذلك أم لا.
من حقّ مواطن الشارع العاديّ أن ينظر
للحياة والانتماء الحزبيين كيفما شاء. ولكنّ ذلك ليس من حق أولئك الذين ايقظونا من
حالة الموت السريريّ، ولولاهم لما أفقنا.
حين رفع الشباب شعار #نريد_وطن
تحولوا الى سياسيين شاؤوا أم أبوا. من لا يعجبه هذا الكلام لا فائدة منه في
الساحات ولا في الحضور الدائم في التظاهرات. من يريد وطناً عليه أن يعرف من أين
يبدأ رسم خارطة الوطن في الواقع وليس في الشعارات. والاوطان تُبنى في مكاتب
الدولة، المؤسسة البرلمانية والحكومة والقضاء. الأولى تُشرّع القوانين والثانية
تُنفّذ تلك القوانين والثالثة تسهر على مراقبة تطبيق القوانين بشكل صحيح. هذه هي
المعادلة الوحيدة لبناء وطن. والمرور اليها لا يتّم إلا بواسطة حياة حزبية منضبطة
تحت سقف الدستور ومُراقبة جيداً من السلطة القضائية والسلطة الرابعة (الاعلام).
ليس من حقّ الشباب الذين أنزلوا
شعباً بكامله – معنوياً على الأقل – الى ساحات التغيير أن يقطعوا الحبل ويتركوا
الأمور على الغارب. وعليهم أن يتصدوّا لمسؤوليتهم في المشاركة الفاعلة في الشأن
السياسي اليومي. ولا يتأتى هذا من الانزواء في ساحات الاحتجاج بل من خوض غمار
العمل السياسي.
لقد أثبت شباب العراق أنهم على قدر
كبير من المسؤولية حين أعلنوا أنهم لن يبقوا صامتين تجاه حالة الفساد والتفكك
السياسي التي يعيشها بلدهم. وعليهم الآن أن يتقدموا خطوة الى أمام بتسمية عدد من
الشخصيات المقبولة منهم لرئاسة حكومة الانقاذ الوطني القادمة. وبأقتراح كابينة
وزارية – أو على الأقل – عدد من أعضائها لكي لا يتركوا المجال مفتوحاً أمام الاحزاب
الفاسدة والعميلة التي أوصلت البلد الى حالة من الخراب الشامل أن تعود الى مفاصل
مهمّة في قيادة الدولة.
الوقت يمرّ ومروره ليس في صالحِ
الثورة وليس هناك من أمل سوى في الإسراع بتسمية رئيس حكومة الانقاذ وكابينة وزارية
مصغّرة تساعده في انجاز مهامه ضمن الأطر التي يتّم الاتفاق عليها بين ساحات
الاحتجاج ومن سيمثلهم في مجلس الوزراء القادم.
تمنحنا حركة التاريخ فرصاً ثمينة
محكومة بشروط اهمها تحديد الوقت الذي ستضرب الجماهير المنتفضة ضربتها وتسير نحو
مستقبلها. والتاريخ لاينتظرنا اذا لم نكن قادرين على فهم شروطه وتشكيله كما نحن
نشاء.
سعد الشديدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق