تصريح السيد وزير الداخلية العراقي في مجلس النواب بأن القوات الأمنية العراقية كانت تعرف "على وجه التقريب" زمان ومكان تفجيرات يوم الثلاثاء المفجع جاء ليسند تصريحات النائب العراقي السيد مثال الآلوسي بأن الأمريكيين أبلغوا حكومة السيد المالكي معلومات إستخبارية عن عمليات الثلاثاء المفجع الإجرامية، ومعلومات تسربت من نوّاب آخرين بأن الأمريكيين كانوا قد أبلغوا الحكومة العراقية قبل ذلك معلومات عن تفجيرات الأربعاء الدامي خصوصاً ذلك الذي إستهدف وزارة الخارجية العراقية.
إذن حكومتنا كانت تعرف مسبقاً بإحتمال وقوع تفجيرات ارهابية في أوقات وأماكن محددة، ولم تحرّك ساكناً لا في الثلاثاء ولا في الأربعاء!
ولم تكتفِ حكومتنا المنتخبة بذلك بل ذهب وزراؤها الأمنيون شوطاً أبعد عندما أجمعوا على حقيقة، ربما أتفقوا عليها قبل الدخول الى البرلمان، بأن الإرهاب ظاهرة عالمية يصيب الكثير من الدول وأن حظنا العاثر هو وحده الذي جعلنا من بين أكثر شعوب العالم تضرراً بتلك الظاهرة السرطانية التي لايمكن الحدّ منه بشكل كامل.
ماذا يعني هذا؟ ببساطة شديدة يعني هذا اعلاناً واضحاً بان حكومتنا المنتخبة غير قادرة على ايقاف موجات الإرهاب المدمر التي لم نعد نعرف مصدرها. فبين قائل بأنها من عمل القاعدة، وآخر يسخر من هذه النظرية مؤكداً ان الأمريكيين هم من يقف وراءها، يذهب البعض ليحمّل ايران وزر تلك الجرائم، وفي خضم بحر الإتهامات تصرّح مصادر مقربّة من مجلس الوزراء بأن سوريا هي من تحرك خيوط لعبة الموت المصطبغ بلون الدم والجثث المتفحمة فيعترض آخرون قائلين: لا باباتي لا.. السعودية هي المتهم الأول فينبري لهم من يقول وبمعادلة يعرضها هو الآخر بشكل منطقي مفادها أن الأحزاب الكردية هي الرابح الأكبر من الفوضى السائدة في الشارع العراقي فيدور أصبع الإتهام – طبقاً لتلك المعادلة – متجهاً نحو الأحزاب الكردية، ولكن علينا أيضاً أن لاننسى البعثيين وهم لاعبون أساسيون دائمون ويمكنهم هم الآخرون أن يفعلوا كل شئ واي شئ للعودة الى السلطة وقد رأينا وعانينا مما فعلوا طوال فترة حكمهم التي أمتدت لثلاثة عقود ونصف، يقول آخر.
الموضوع أصبح يشبه لعبة الأستغماية، التي نسميها في العراق "بالختيبلّه". فعلى المواطن العراقي أن يغمض عينيه بينما ينتشر اللاعبون لإخفاء أنفسهم في أماكن وخنادق شتّى وهم واثقون بأنه لن يستطيع العثور عليهم في زحمة الفوضى. وأياه أن يفتح عينيه فالمطلوب في هذه اللعبة أن يبقى العراقي أعمى لايرى طوابير الموتى وهي تصعد الى بارئها، وأصم لايسمع أصوات الإنفجارات وأخرس لايفتح فمه للإحتجاج أو الإعتراض وإلا اُتهم بأنه من أعداء الديمقراطية والعملية السياسية وفي أفضل الحالات يُختم أعتراضه أو إحتجاجه على العجز المستمر للإداء الحكومي الأمني بختم ديوان مجلس الوزراء تحت عنوان: نقد غير بنّاء!!
خمسة ايام كاملة مرّت على فقداننا لثقتنا بحكومتنا المنتخبة، عرفنا فيها أن الحكومة كانت تعرف زمان ومكان التفجيرات وبأنها لسبب من الأسباب أخفقت بشكل كامل في درء أخطار تلك العمليات الإجرامية عن مواطنيها الذين انتخبوها. وعرفنا أيضاً أن المسؤولية الميدانية عن العجز الكبير في الإداء الأمني تقع على عاتق قائد عمليات بغداد الذي تم نقله من منصبه وترقيته ليصبح نائباً لرئيس أركان الجيش.
وعرفنا أيضاً بأن الحكومة، رغم معرفتها المسبقة بتفاصيل أمنية مهمة، فشلت في إجهاض العمليات الإرهابية في الثلاثاء والأربعاء الداميين وبأنها، والحال هكذا، لن تستطيع أن تحمينا من عمليات الإرهاب الأسود في أيام الخميس أو الجمعة أو السبت الدامية.
أليس الأجدى لحكومة كهذه أن تحترم نفسها ومواطنيها ومصداقية العملية السياسية واصول اللعبة الديمقراطية وتقدم إستقالتها، أم أنها ستسير على نهج الخليفة الثالث عثمان بن عفّان حين رفض التنحي عن الخلافة قائلاً: والله لن أنزع ثوباً ألبسني إياه الله، ولن تنزع ثوباً البسها إياه العراقيون وليذهب العراق والعراقيون الى جهنم؟
سعد الشديدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق