عرضت قناة العربية مساء أمس فيلماً وثائقياً عن برنامجٍ تدريبي لقوة أمريكية في طريقها الى العراق وكيف يتم إعداد المقاتلين الأمريكيين لمواجهة الحالات الطارئة والغير تقليدية في أرض المعركة. ففي حين قدّم الفيلم تفاصيل مدهشة عن أساليب القوات الأمريكية لتدريب الجنود والضباط العاملين في العراق لمواجهة الظروف غير المنتظرة التي قد يواجهونها، ألقى الضوء، فيما بين السطور على الأقل، على أساليب التفكير التقليدية وأعتماد الصور النمطية السائدة عن العراقيين لدى الأمريكيين بصورة عامة والقيادات العسكرية الأمريكية على وجه الخصوص وربما عن أسباب ولادة تلك الصورة ومشاركتنا نحن العراقيين في تحمّل جزء من مسؤولية ظهور تلك الصور النمطية.
أقامت القوات الأمريكية قرية "عراقيةً" في منطقة صحراوية في الولايات المتحدة. في هذه القرية يمارس الجنود الأمريكيون نساءاً ورجالاً تدريبات قاسية ربما ستؤهلهم لمواجهة حالات وظروف غير متوقعة وخارجة عن المألوف وتحتاج أحياناً الى حلول لم يتعودها "العقل" الأمريكي ولم تعرفها العادات والتقاليد وأسلوب الحياة الأمريكي.
يعرض الفيلم كيف يمثل المتدربون حالة من الحالات التي تقتل فيها قوةُ أمريكية عدداً من المدنيين العراقيين عن طريق الخطأ. وهذا يحدث، ففي الحرب يجب على المرء أن يتوقع الأسوأ حتى لو كان مدنياً لاناقة له ولاجمل في تلك الحرب. تثور ثائرة باقي سكان القرية ويخرجون للتظاهر إحتجاجاً على قتل أقاربهم وأصدقائهم. وبينما يحاول بعض الجنود الأمريكيين تهدئة روع الغاضبين، يدخل عدد آخر من الضباط والجنود الى منزل الضحايا للإعتذار وأيضاً لدفع الديّة. التمثيلية- التدريب مازال جارياً.
- ما هو المبلغ المطلوب الذي يُدفعُ عادةً؟ يسأل جندي أمريكي.
- تجيبه المرأة التي تمثل دور إمرأة عراقية قد تكون زوجة الضحية أو أخته أو أمه: 2500 دولار.
يدفع الجنود الأمريكيون الدية ويذهبون بعد أن تمّ حل المشكلة "سلمياً" ليحسبوا كم بقي من الأموال لدى تلك القوة المقاتلة.
الى هنا ينتهي الفيلم الوثائقي. ومن هنا تبدأ عملية مواجهة واعية مع ما تركته الصور الناطقة في هذا الفيلم من أثر في داخلي جعلني على حافة فقدان الإحترام لشعبي وبلدي وثقافتي التي تحدرت منها وإليها أنتمي حدّ النخاع.
فلم أكن أعرف قبل الآن أنني كعراقي أصبح لي سعر في بورصة السياسة العالمية. ولم أكن أرى في أكثر الكوابيس عتمةً أن ذلك السعر سيبلغ 2500 دولاراً فقط لاغير.
لاألوم قناة العربية على عرضها لذلك الفيلم الوثائقي، بل بالعكس أمدّ يدي مصافحاً تلك القناة شاكراً لها جهودها في إعلامي بشكل سهلٍ ومؤثر بسعري الحقيقي. ولاألوم القوات الأمريكية على إجراءها تلك التدريبات فمن حقها أن تهئ جنودها وضباطها ليتعاملوا مع الظروف الطارئة التي قد تواجههم بالشكل الذي يرونه مناسباً، وهم في نهاية الأمر قوات غازية لاعلاقة لها بنا وبمنطقتنا وثقافتنا وأسلوب تفكيرنا وحياتنا ولاأنتظر منهم حتى إبداء أقل أشكال الإحترام لنا كعراقيين فلم يأتوا لنا قاطعين آلاف الكيلومترات ليقدموا لنا آيات الإحترام والتقدير بل لتأدية مهام محددة لها علاقة بما يطلقون هم عليه بالمصالح الأمريكية العليا.
ولكنني يجب أن أتوجه باللوم الى العراقيين أنفسهم. لمن وضعوا سعراً بالدولار لأبناءهم وبناتهم يقبضونه نقداً، وهم لايخجلون على الإطلاق من تأكيد ذلك السعر الذي لابدّ إنهم قبضوه بالفعل من الأمريكيين في حالات عديدة. ويجب أن أوجه اللوم والنقد الى الحكومة العراقية لسماحها بوضع سعر، أي سعر مهما بلغ، على رأس العراقي الذي اصبح أرخص من رأس الخسّ أو البصل. وقبل كل أولئك على العرف العشائري القمئ الملئ بالتخلف والمصاب بعفونة مزمنة لافكاك منها سوى بنزعها وسلخها عن جسد ثقافتنا العراقية وأسلوب حياتنا الذي نريد له أن ينتمي الى التحضر والتمدن لاإلى الجاهلية والأعراف القبلية البائدة.
وإذا كان هناك من يعتقد أن سعر العراقي البالغ 2500 دولاراً هو سعر عادل وضعته البورصات العشائرية وشيوخ القبائل والعشائر والأفخاذ وهو سعرٌ متفق عليه بقوة العُرف والقانون العشائريين فبئس الثمن وبئس العشائر وبئس الشيوخ وبئس المجتمع الذي يرضى بتسعير أبنائه وبناته وبيع حياتهم لقاء أي مبلغ كان.
إذهبوا أيها العراقيون لتراجعوا أرقام المبالغ التي دفعها النظام الليبي لضحايا طائرة لوكربي. فقد دفعت ليبيا عشرات الملايين من الدولارات تعويضاً لكل ضحية من ضحايا تلك العملية الإرهابية, مقابل 2500 دولاراً فقط لكل واحد منكم.
هل حقاً أن العراقي أصبح رخيصاً الى هذا الحدّ؟ وهل حقاً أن العراقيين، المتحضرون منهم على الأقل، يوافقون على أن يكون لهم سعر يعلّقه مجتمعهم في بطاقة السعر الخاصة بكل واحد أو واحدةً منهم ليتدلى من ياقات قمصانهم أو جيوب معاطفهم؟
وهل عرفتم أيها العراقيون لماذا اصبح ثمنكم رخيصاً أمام العالم؟ الجواب هو ربما لأنكم أنتم من حددّ ثمناً رخيصاً لأنفسكم لايتعدى 2500 دولاراً أمريكياً فقط!!
أقامت القوات الأمريكية قرية "عراقيةً" في منطقة صحراوية في الولايات المتحدة. في هذه القرية يمارس الجنود الأمريكيون نساءاً ورجالاً تدريبات قاسية ربما ستؤهلهم لمواجهة حالات وظروف غير متوقعة وخارجة عن المألوف وتحتاج أحياناً الى حلول لم يتعودها "العقل" الأمريكي ولم تعرفها العادات والتقاليد وأسلوب الحياة الأمريكي.
يعرض الفيلم كيف يمثل المتدربون حالة من الحالات التي تقتل فيها قوةُ أمريكية عدداً من المدنيين العراقيين عن طريق الخطأ. وهذا يحدث، ففي الحرب يجب على المرء أن يتوقع الأسوأ حتى لو كان مدنياً لاناقة له ولاجمل في تلك الحرب. تثور ثائرة باقي سكان القرية ويخرجون للتظاهر إحتجاجاً على قتل أقاربهم وأصدقائهم. وبينما يحاول بعض الجنود الأمريكيين تهدئة روع الغاضبين، يدخل عدد آخر من الضباط والجنود الى منزل الضحايا للإعتذار وأيضاً لدفع الديّة. التمثيلية- التدريب مازال جارياً.
- ما هو المبلغ المطلوب الذي يُدفعُ عادةً؟ يسأل جندي أمريكي.
- تجيبه المرأة التي تمثل دور إمرأة عراقية قد تكون زوجة الضحية أو أخته أو أمه: 2500 دولار.
يدفع الجنود الأمريكيون الدية ويذهبون بعد أن تمّ حل المشكلة "سلمياً" ليحسبوا كم بقي من الأموال لدى تلك القوة المقاتلة.
الى هنا ينتهي الفيلم الوثائقي. ومن هنا تبدأ عملية مواجهة واعية مع ما تركته الصور الناطقة في هذا الفيلم من أثر في داخلي جعلني على حافة فقدان الإحترام لشعبي وبلدي وثقافتي التي تحدرت منها وإليها أنتمي حدّ النخاع.
فلم أكن أعرف قبل الآن أنني كعراقي أصبح لي سعر في بورصة السياسة العالمية. ولم أكن أرى في أكثر الكوابيس عتمةً أن ذلك السعر سيبلغ 2500 دولاراً فقط لاغير.
لاألوم قناة العربية على عرضها لذلك الفيلم الوثائقي، بل بالعكس أمدّ يدي مصافحاً تلك القناة شاكراً لها جهودها في إعلامي بشكل سهلٍ ومؤثر بسعري الحقيقي. ولاألوم القوات الأمريكية على إجراءها تلك التدريبات فمن حقها أن تهئ جنودها وضباطها ليتعاملوا مع الظروف الطارئة التي قد تواجههم بالشكل الذي يرونه مناسباً، وهم في نهاية الأمر قوات غازية لاعلاقة لها بنا وبمنطقتنا وثقافتنا وأسلوب تفكيرنا وحياتنا ولاأنتظر منهم حتى إبداء أقل أشكال الإحترام لنا كعراقيين فلم يأتوا لنا قاطعين آلاف الكيلومترات ليقدموا لنا آيات الإحترام والتقدير بل لتأدية مهام محددة لها علاقة بما يطلقون هم عليه بالمصالح الأمريكية العليا.
ولكنني يجب أن أتوجه باللوم الى العراقيين أنفسهم. لمن وضعوا سعراً بالدولار لأبناءهم وبناتهم يقبضونه نقداً، وهم لايخجلون على الإطلاق من تأكيد ذلك السعر الذي لابدّ إنهم قبضوه بالفعل من الأمريكيين في حالات عديدة. ويجب أن أوجه اللوم والنقد الى الحكومة العراقية لسماحها بوضع سعر، أي سعر مهما بلغ، على رأس العراقي الذي اصبح أرخص من رأس الخسّ أو البصل. وقبل كل أولئك على العرف العشائري القمئ الملئ بالتخلف والمصاب بعفونة مزمنة لافكاك منها سوى بنزعها وسلخها عن جسد ثقافتنا العراقية وأسلوب حياتنا الذي نريد له أن ينتمي الى التحضر والتمدن لاإلى الجاهلية والأعراف القبلية البائدة.
وإذا كان هناك من يعتقد أن سعر العراقي البالغ 2500 دولاراً هو سعر عادل وضعته البورصات العشائرية وشيوخ القبائل والعشائر والأفخاذ وهو سعرٌ متفق عليه بقوة العُرف والقانون العشائريين فبئس الثمن وبئس العشائر وبئس الشيوخ وبئس المجتمع الذي يرضى بتسعير أبنائه وبناته وبيع حياتهم لقاء أي مبلغ كان.
إذهبوا أيها العراقيون لتراجعوا أرقام المبالغ التي دفعها النظام الليبي لضحايا طائرة لوكربي. فقد دفعت ليبيا عشرات الملايين من الدولارات تعويضاً لكل ضحية من ضحايا تلك العملية الإرهابية, مقابل 2500 دولاراً فقط لكل واحد منكم.
هل حقاً أن العراقي أصبح رخيصاً الى هذا الحدّ؟ وهل حقاً أن العراقيين، المتحضرون منهم على الأقل، يوافقون على أن يكون لهم سعر يعلّقه مجتمعهم في بطاقة السعر الخاصة بكل واحد أو واحدةً منهم ليتدلى من ياقات قمصانهم أو جيوب معاطفهم؟
وهل عرفتم أيها العراقيون لماذا اصبح ثمنكم رخيصاً أمام العالم؟ الجواب هو ربما لأنكم أنتم من حددّ ثمناً رخيصاً لأنفسكم لايتعدى 2500 دولاراً أمريكياً فقط!!
سعد الشديدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق