17 عاماً على
رحيل محمود درويش
شبابيكٌ عَلى
جِهة البَحر
وَجْهانِ
يَنْتَظِرانِ أَنْ أَمْضي...
وَجْهي...وَوَجْهُ الأَرْضِ.
***
يَقْتُلُني الأَمَلْ
يُطيلُ انْتِظاري
يُبَعْثِرُ قافِلَتي في البَراري.
***
هذِهِ عُشْبَةُ البَحْرِ
واقِفَةٌ بانْتِظارِ العَواصِفِ
وَرْدَةٌ في حَدائِقِ أيامِنا،
وعَصافيرُ نائِمَةٌ في قَذائِفِ.
***
يَتَجَمَّدُ التَّاريخُ في
ثَلّاجَةِ المَوْتى
وتَفْتَتِحُ المَدارِسُ فَصْلَها
الشِّتْويَّ
بِالمَطَرِ الخَفيفِ.
***
وَلَدي ساهِرٌ بانْتِظارِ
مُسَيِّرَةٍ
تَرْصُدُ العُشْبَ حينَ يتمّتُمُ
من هَلَعٍ
ويَخْضَرُّ حينَ يُلاعِبُهُ في
الخَريفِ الهَوَاءُ.
أَيُّها الوَلَدُ المُتَجَدِّدُ لا
تَكْتَرِثْ
فَكِلَا الحالَتَيْنِ سَواءُ.
***
بَقايا غَمامَة
تَطيرُ إِلى جِهَةِ البَحْرِ
تَعْبَثُ بِالمَوْجِ
وتَنْفُخُ في النّايِ
تَصْحو بِلادٌ من النَّوْمِ
هَذا هُوَ اليَوْمُ... يَوْمُ
القِيامَة.
26 حزيران 2025
جيل الثورة بين الوعود والواقع
وُلدت في حزيران 1958،
في ظل النظام الملكي، وقبل أن أبلغ شهرًا واحدًا، هزّت العراق ثورة 14 تموز. لا
أسعى للجدل حول توصيف الحدث: هل كانت ثورةً مباركة أم انقلابًا دمويًا؟ ما يعنيني
اليوم، وبعد مرور 67 عامًا، هو سؤال واحد: هل حققت الثورة أهدافها؟
جاؤوا لينهوا الهيمنة
البريطانية، واليوم نرزح تحت تأثير أمريكي –إ يراني – تركي... وما خفي أعظم. وعدوا
بـ"العدالة الاجتماعية"، والآن يعيش أكثر من 30% من العراقيين تحت خط
الفقر. أهدافهم كانت النهوض
بالزراعة، الصناعة، التعليم، والصحة... فأين نحن اليوم؟ بمقياس من 0 إلى 10، أين
تضع العراق في التعليم والخدمات الصحية والبلدية؟ شاركني رأيك… دعنا نرسم صورة
الواقع بلا رتوش.
لن أتحدث عن الماء في
بلاد الرافدين ولا الكهرباء في بلد النفط والغاز.
تعلمت من كل "ثورة" و"انقلاب" و"احتلال": لا تصدق الشعارات بل صدّق الآليات. من يشرح لي كيف سنصل إلى الحرية والكرامة والعدالة، هو من يستحق ثقتي—وليس من يرددها. نحتاج إلى مشروع، لا إلى هتاف… إلى رؤية، لا إلى ذكرى عابرة كل عام!
لا أحد يعرف كيف سيحدث هذا التغيير ومتى لكنّه قادم وسيكون من داخل العملية السياسية ولن يتجاوزها، ويشمل أشخاصاً لا أحزاباً، كما لن يمسّ حتى بعض الميليشيات التي ستنحني للعاصفة وتتعهد بعدم استفزاز إسرائيل وتهديد أمنها بأي شكل من الأشكال. التغيير سيتوّجه بشكل خاص الى الحلفاء الأقرب جداً لإيران دون غيرهم وسيبقى الآخرون دون أي مساس بهم وبمواقعهم وامتيازاتهم سوى ممارسة بعض الضغوط عليهم لتخفيف علاقاتهم بإيران الى الحدّ الأدنى.
حَنين مُوازٍ
الْحَنِينُ دَوَاءٌ
وَدَاءٌ
يُجَمِّلُ بَعْضَ الحَمَاقَاتِ وَالْهَفَوَاتِ.
الْحَنِينُ
صَلَاةُ المُفَارِقِ فِي حُلْمِهِ
قَبْلَ
الْوِلَادَةِ فِي الْفَجْرِ
وَفِي
اللَّيلِ بَعْدَ الْوَفَاةِ.
سَمَاعُ
نَجَاةَ الصَّغِيرَةِ مِنْ شُرْفَةِ الْجَارِ
وَقَضَاءُ
السِّنِينِ الطَّوِيلَةِ فِي غُرْفَةِ الْانْتظارِ.
الْحَنِينُ
مُحَاوَلَةٌ فِي الْفَرَاغِ لِإِعَادَةِ فَصْلٍ قَدِيمٍ
مِنَ
الْمَسْرَحِيَّةِ دُونَ الْمَسَاسِ بِلَوْنِ السِّتَارِ.
شَرِيطٌ
تَهَرَّأَ مِنْ شِدَّةِ الدَّوَرَانِ
وَمَا
زَالَ يُكَرِّرُ نَفْسَ الْأَسَاطِيرِ عَنْ وَطَنٍ
وَعَلَاقَةِ
حُبٍّ تمُوتُ فَنَأْخُذُهَا لِجَنَاحِ الطَّوَارِئِ
فِي الْقَلْبِ أَوْ فِي
شُقُوقِ الْجِدَارِ.
بَعْقُوبَة
بوّابةُ البيتِ كانت رماديةً.
الآن سوداءَ شاحبةَ
اللونِ،
الرصيفُ ليس
نظيفاً كما كانَ.
والنُهير -
خريسانُ – لا زالَ يجري
الى مستقّرٍ لهُ
في البساتينِ.
لا بأس ...
فالبقايا تقولُ
بأنّ الخطى أصبحتْ أثقلَ من قبلُ،
أنّ الطريقَ الى سُلّم
الدار، أطولُ مما تعوّدتَ
وأنت تهّمُ بأن توقظَ البابَ من نومهِ
وتُعيدُ له
لونَهَ والحياة.
هيهات ...
هيهات.
مسوّدة ناقصة لصلاة الغائب
سلامٌ على قمرِ الخوفِ
يومَ يمرُّ علينا،
فنسهرُ قربَ الحواجزِ،
محترقينَ ... ومفترقينَ
لنأكلَ خبز َالأناشيدِ حينَ نجوعُ
ونشربُ ماءَ الهتافِ.
سلامٌ على رغبةِ الموتِ فينا
ونحنُ نحاربُ دونَ انتماءٍ
وحين نغامرُ دونَ احترافِ.
على لغة الضادِ تجمعُ أشلائَنا
من حطامِ الكلامِ "الضروريّ"،
كلَّ انفجارٍ وتعرِضُها في ثيابِ الزِفافِ.
سلامٌ على الوطنِ العربيّ
يوّزعُنا في بلادٍ تُصدّرُ تاريخَها لقصيدِ الرثاءِ
وأطفالهَا للرصيفِ
وأشجارَها للقبورِ
وأبناءَها للمنافي.
10 كانون الثاني 2009
سيلفي مع شرطة الاخلاق
قوانينُ شرطةِ الأخلاقِ تمنعُ النحلَ أن يمارسَ الحبّ مع زهرةٍ مراهقة.
شرطةُ الأخلاقِ ...
ترى القبلات قبلَ أن يقترحها الهرمونُ الذكريّ للعاشق.
تقطعُ اليدَّ التي تمتدّ باحثةً عن دفء.
تفرّقُ بين الكمثرى والماءِ الباردِ في الصيف.
تغطي رأسَ الغزالةِ بورقةٍ من كتابٍ سماويّ.
تغلقُ الفنادقَ أمامَ الربيع.
تضعُ الحواجزَ لخيول تتشكلُ في غيمةٍ مهاجرة.
تصبغُ الشوارعَ باللونِ الأسودِ وتقولُ: هذا هو الله.
تسبقُ الفكرةَ قبلَ أن تُصبحَ همسةً بين شفتين.
تُصادرُ قَصّات الشَعر، وتحاصرُ طلاءَ الأظافر.
تغلّفُ الشوكولاتةَ الساخنةَ بعباءاتٍ بلهاء.
تطاردُ البجعَ الراقصَ على حدودِ مخيماتِ الغجر.
تعتقلُ النسيمَ الذي يسافرُ بين نهدينِ ووردة.
تطلقُ الرصاصَ على فساتينِ السهرةِ واستدارةِ الكعبِ العالي.
تمنع تجوالَ مواعيدَ الحبِّ في الشوارعِ المزدحمة.
تحيلُ المطرَ الى القضاءِ إذا لامسَ وجهَ فتاة.
تقتلُ الأشجارَ لتشرب الفضيلةُ من دمائها.
تجلدُ قصائدَ الحبّ التي تخدشُ حياءَ الذباب.
تعلن الجهاد على أنوثة تهربُ من سجن السماء.
وتقتلُ 21 ربيعاً ليكونَ خريفاً الى أبد الآبدين.
حارسُ أبوابَ المتفرجين
كأنّي ورثتُ حروفي عن الغيبِ
أو من أرضِ كنعان،
حيثُ الخيولُ تسابقُ فرسَانها
وأميّ تخيطُ النهارَ قميصاً لأختي الصغيرة.
ودون اجتهادِ،
كتبتُ حروفي الثلاثةَ
1- بالأكديةِ
2- والنبطيِّة
3- والخطّ السريانيّ – العربيّ، بعد عبور الزمانِ وموجِ الفراتِ
الى يومنا.
أعملُ في أيّ شيء يصادفُني
ولا أستعينُ سَوى بنفاذِ البصيرةِ
والصبرِ ...
والاكتفاءِ بعينينِ مفتوحتينِ!
أسكنُ أيّ مكانٍ يناسبُني.
منزلٌ فوقَ سفحٍ يطلُّ على غابةِ السروِّ،
حانةٌ تغلقُ الفجرَ أبوابَها وتتركُنا نائمينَ على
الطاولات،
بيتٌ قديمٌ تُعرّسُ فيه الأفاعي
وتسكنهُ الجنُّ والذكريات،
أرض مطارٍ أكادُ أموتُ منَ البردِ فيها
فتحملني الطائرات.
لا بالطويلِ ولا بالقصيرِ ... أنا،
عينايَّ سوداوان فاحمتانِ،
ووجهي كوجهِ أبي،
مطرقٌ،
وأكلّمُ نفسي.
نِصفي الذُكوريّ يحاورُ نِصفيَّ الأنثويّ
ويتفقانِ مِراراً
ولكنَّ طفلاً صغيراً
يفرّقُ بينَ الذكوريّ والانثويّ.
فأبقى يتيماً!
حين تندلعُ الحربُ
ينهمكُ الآخرونَ بترتيبِ أوهامِهم.
وابتداعِ أساليب أخرى
لقتلِ رجالِ الضفادعِ والوقتِ.
أما أنا،
فليسَ أمامي سَوى أن أطلَّ على مشهدِ الموتِ،
وأحفظُ ما أستطيعُ منَ البانوراما.
أحوّلُها صوراً من خيالٍ أثيرٍ
يلاحقُني أينَما كنتُ.
هذهِ متعتي!
تزوجتُ عطرَ الترابِ
وضوءَ الكواكبِ
والنارَ
وحين بلغتُ الكهولةَ
طلّقتُها بالثلاثِ ...
وانتظرتُ سنيناً على مضّضٍ
لعلّي أرى امرأةً تتركُ رائحةَ اللهِ
في لغتي
وفي موقدِ البيتِ،
وبينَ ملابسِ فصلِ الخريفِ
وتحتَ الأثاثِ.
مثل ملائكةٍ يكتبون تقاريرهم لإلهٍ بعيدٍ،
ولا يعبئونَ إذا أوصدَ الناسُ أبوابَهم وضمائَرهم...
أتفرجُ.
كعالمِ انثروبولوجيا ...
لا يتدخّلُ حينَ يثورُ البدائيُّ فينا
ويقتلُ في السرّ اخوتَهَ
ليقدِّمَ أضحيةً من ضفائرِ زوجاتِهم.
أراقِبُ ما يتناثرُ في ترهاتِ الكلام.
وماذا؟
أكتبُ ما لا أراهُ
وما لا يُريدُ المغنيّ سَماعَ تَفاصيلهِ.
ها هوَ اليومُ انتهى.
والظلامُ التامُّ يَمحو أثرَ الظلِّ
على الجدرانِ.
النعناعُ في أحواضهِ يَبكي
وشباكٌ قديمٌ - أثريٌّ رُبّما،
يمنحُ الطائرَ بيتاً من زجاجٍ خافتٍ
وستاراً كانَ يوماً أحمراً.
ينظرُ الطائرُ في فنجانهِ
يقرأ الحظَّ بلا صوتٍ ويُصغي:
لَم تعدّ تكفي لكَ الروحُ،
تحتاجُ روحينِ أخرى
وشمساً تطلُّ على القلبِ.
ما زلتُ أنظرُ ... أتفرّجُ.
تساقطَ ثلجٌ كثيرٌ
على معطفِ الليلِ
ولم ينتهِ بعدُ ذاكَ الصدى.
سأبقى على سطحِ داري
أراقبُ جاري
وأحدّثُه
أني ورثتُ حروفي عن الغيب
وأعملُ في أيّ شيء يصادفني
أسكنُ في أيّ مكانٍ يناسبني
وأني تماماً كما قد يراني... لا بالطويلِ ولا بالقصيرِ
تزوّجتُ عطرَ الترابِ وضوءَ الكواكب والنار،
وأنّي تفرجتُ حتى ملّلتُ من السلمِ والحربِ
وما زلتُ أحلمُ بامرأةٍ تسكبُ رائحة اللهِ في لغتي
فأغمضُ قلبي..
أنامُ على صوتها
وتحترقُ الصورُ المنتقاةُ وأفلامُ ذاكرتي.
سعد الشديدي
وَطنٌ لا شَريكَ لَهُ
أيها الوطنُ
ابتعدْ عنّي – رجاءً
–
كي أغيبَ دقيقةً
وأعودُ أحفرُ في
حَياتي
لأُعيدَها شيئاً
فَشيئاً للطبيعةِ.
أمشي الى القنديلِ
فوقَ الجسرِ مبتهجاً
لتعبرَ أمنياتي
للجانبِ الشرقيّ
من رُوحي
وتسكنُ غابةَ
الطرقِ السريعةِ.
أيها
المخفيُّ في المبنى
وفي
المعنى
بين
العشبِ
والجذرِ
السويِّ
لصورةِ
الحنّاءِ
في
كفّ ابنتي
وسعالِ
جدّي.
أيها
المحظورُ في كتبِ الخليقةِ
المنشورُ
في لوحٍ يطوفُ على مياهِ الغمرِ
مثلَ
اللهِ في ألواحِ موسى.
هل أغادرُ شاطئاً
رست الملوكُ على شرائعهِ
وحاصرهُ الجنودُ.
لا شيء أخسره هنا
فالنهرُ ملِكي
والسماءُ لها حدودُ..
والارضُ للعشبِ
الطريِّ
وإنْ عادٌ بِها عاثت
وإنْ بادت ثمودُ.
البيتُ مفتوحٌ
لرائحةِ الطعامِ وعطرِ سيدةٍ تغني طفلَها:
أيها الزمنُ أقتربُ
منّي رجاءً!
كي أغيبَ للحظةٍ
وأعودُ أحفرُ في الرمالِ
لا أسمَ يُرضيني لأكتبهُ
على ظهرِ الهلالِ.
فلا الغرانيقُ
العلى يكفينني زمني،
ولا وطناً يليقُ
بغربتي!
جَدّي من
الأنباطِ في كوثى،
وأمي من بلادِ
الشامِ …
كِنعانيةٌ … حِنطيةٌ
تَحثو الترابَ عَلى
جَبينِ الدهرِ.
وتُحوكُ شالاً
للوليدةِ قبلَ مولدِها
وأحياناً تطّرزُ
ثوبَها بالوردِ.
كانت صدفةً أني وُلدتُ
هُنا..
وآليتُ البقاءَ
على تُخومِ الريحِ
قربَ عاصمةِ
النساطرةِ الذينَ تَناسخوا دُوَلاً وقرآناً.
آليتُ أن أبقى
لأسمعَ صوتَ أميّ
وأبي يُباركُ قاربَ
الصيادِ في نهرِ الفراتِ.
عندَ
الصباحِ يُعدُّ قهوتَهُ
ليَسقيَّ
سنديانَ همومِهِ.
في
ليالِ الصيفِ
يأتي
الجُباةُ ليكتبوا أسماءَنا
ويأخذوا
عُشرَ الخليفةِ
والزكاةِ.
يصحو
الترابُ …
يخبئ
الكتبَ القديمةَ تحت جلدِ الأرضِ
يعيد
ترتيب الحروف لمصحفٍ
قالوا
بأن عليه آهاتُ بن مسعودِ الصحابيّ
الذي
لم يبقَ منه سوى سياطاً في خبايا ظهرهِ
وصلاتهِ…
كالوشمِ.
ويسوقُ
رعاةُ الحكاياتِ قطعانَهم
إذ
ينتهي الأفقُ …
يستحيلُ
رماداً
وتأتي
قريشٌ بفرسانِها
لتأخذَ
حقَّ الإلهِ وفائضَ قيمتِه.
يقتحمون
سلالَ الخضارِ
ولا
يتركونَ سوى قلقاً مزمناً في عيونِ الصغارِ.
الجباةُ
يعودونَ دوماً الينا
ليَختبروا
صبرنا.
أنتَ،
أنت هو الصبرُ
فيكَ
بدايةُ هذا السراب وباطنُ كفيّه.
وما
دمتَ حياً وتمشي ولو زاحفاً
فأنت
لنا واحدٌ أحدٌ
لا
شريكَ له.
درس غير خصوصي تَعَلُّمِ هَدِيلَ اَلْحَمَّامْ وَغَنِيٍّ لِوَرْدَةِ حُبِّكَ، حَتَّى تَنَامْ. تَعَلُّمُ حَفِيفَ الرِّمَالِ، وَمَوَاوِيلَ...